احتلال الطريق العام..تحرش وريع وأشياء أخرى

نادية عماري
تجار يستغلون الأرصفة المخصصة للمرور لعرض سلعهم وبضائعهم، “فراشة” يملؤونها بشتى أنواع المنتوجات الاستهلاكية، وأصحاب مقاه يتخذون من الرصيف أماكن إضافية يرتادها الزبناء،
لإضفاء نوع من الشرعية على ملكية مساحات هي في الأصل ممرات مخصصة للراجلين.
ما بين غياب تطبيق القوانين الزجرية والتمادي في احتلال الطريق العام، يظل المواطن محاصرا في تجواله وتنقلاته.
“تبركيك وتحرش”
“صراحة ولينا كنحشموا ندوزوا حدا القهاوي”، بنبرة غاضبة ومنتقدة تؤكد سليمة، 39 سنة، موظفة، تهافت أصحابها على استغلال الممرات يجعل النساء في حرج دائم، خاصة أنهن لا يسلمن من مضايقات مرتادي هذه المقاهي، تصرفات تصل لحد التحرش في غياب أي رقيب، تضيف”كايجلسوا غير على التبركيك والحضيان، ياريت الأمر يتوقف عند هذا الحد، بل يطلقون العنان لتعليقاتهم المستفزة والمخجلة، كا يتحرشوا بالبنات عاين باين”.
نساء يجدن أنفسهن مضطرات للمرور أمام المقاهي وأخريات ينئين عنها رغم الخطر الذي قد يصادف طريقهن،”ديك المرة كانت واحد المرا غاتمشي فيها، لم تلتفت لسيارة كان يقودها أحدهم وسط الشارع”، تحكي سليمة عن مشهد كاد يتحول لحادث مأساوي والسبب يعود حسب قولها لانعدام المسؤولية والجشع الذي يتملك محتلي الطريق العام،”أتساءل أين هي المراقبة وهل أصبحت أرواح الناس رخيصة لهذه الدرجة؟ كيف يمكن للسلطات أن تتجاهل، والأدهى من ذلك أن هؤلاء المحتلين لا يجدون غضاضة في تحديد المساحات بوضع مزهريات كبيرة وحواجز بلاستيكية، زعما كايديروا الحدود بيناتهم حيت كثار ولا شنو؟”، تقول سليمة بسخرية شديدة.
شكاوى ومعاناة
لا يقتصر احتلال الطريق العام على أصحاب المقاهي، بل يشمل الباعة المتجولين أو ما يطلق عليهم بـ”الفراشة”، إضافة إلى أصحاب الدكاكين المختصة في بيع المواد الاستهلاكية، الخضر والفواكه، مما يساهم في عرقلة حركة السير ويقيد مرور الناس خاصة في أوقات الذروة،”في أغلب المدن القديمة، إيلا كنتي كتقداي راه ما تلقايش منين دوزي”، توضح دنيا، 29 سنة، ربة بيت، وعلامات التذمر تبدو واضحة على تقاسيم وجهها.
تستغرب من الظاهرة على اعتبار أن هؤلاء التجار يملكون دكاكين ومحلات لعرض منتوجاتهم، ولكونهم ليسوا مضطرين ولا عذر يمكن أن يلتمس لهم، تقول”المسألة كلها فوضى وروينة، مادامت المراقبة منعدمة، فكل شخص يسمح لنفسه بالقيام بكل شيء حتى لو تعدى على حرية الآخرين وأضر بهم”.
تشهد مختلف المدن المغربية دون استثناء تفشي ظاهرة الباعة المتجولين، بعربات يدوية مجرورة أو باستخدام أثواب وأغطية بلاستيكية، يفرشونها في الطريق العام لعرض ما يبيعونه، يدأبون على التوجه لمقصد واحد وقد يغيرونه بين الفينة والأخرى بحثا عن المزيد من الكسب، هكذا يبدو الوضع العام لهاته الشريحة المجتمعية،”كانفيق بكري باش نشد بلاصتي”، يشرح عبد الغفور، 44 سنة.
قلة ذات اليد وعدم قدرته على كراء أو شراء دكان كان السبب الرئيسي في قيامه مضطرا لاختيار الشارع كبديل،”كلشي غالي وكل نهار ورزقه، ما أتحصل عليه بالكاد يعينني على قضاء المتطلبات الضرورية لأسرتي”. بالنسبة لهذا البائع المتجول، امتلاك محل يظل حلما يراوده على الدوام، ليمكنه من مزاولة عمله والاستغناء عن الطريق العام والمتاعب التي يلاقيها فيه، خاصة بعد الصراعات والمشاحنات التي تنشب بين الباعة على خلفية هذا الأمر، يؤكد”ماكرهناش نحيدوا من الشارع اليوم قبل غدا ولكن راه ما كاينش البديل”.
حملات موسمية
أوضح عبد العزيز رباح، وزير التجهيز والنقل ردا على تدخلات المستشارين أن احتلال الملك العمومي مسألة غير مقبولة، مشيرا في وقت سابق أنه طلب من رئيس الحكومة إحداث لجنة وزارية تحت رئاسته تنكب على موضوع الملك العمومي، بمختلف مظاهره، بحري، طرقي أو مينائي٬ كما أكد على ضرورة تدبيره بشكل جيد.
وخلال اجتماع للجنة المالية والتجهيز والتخطيط والتنمية الجهوية٬ أوضح أن الملك العمومي “له قانون وضوابط تنظمه والوزارة ملزمة بحمايته من كافة أشكال الترامي واحتلاله الغير القانوني”.
و ينص الفصل 30-89 من الميثاق الجماعي أن الترخيص لاستغلال الأرصفة يتم بشكل مؤقت، بحيث يحق للسلطة سحب الرخصة إذا ارتأت أن المنفعة العامة تقتضي ذلك، وبخصوص استغلال المقاهي للأرصفة، يفرض إتاوة تتراوح ما بين 60 و100 درهم للمتر المربع في المواقع الرئيسية، و ما بين 40 و60 درهم في المواقع الثانوية، وفي حال تسجيل مخالفة، يتم فرض غرامة تصل إلى ثلاثة أضعاف الإتاوة.
إلا أن واقع الحال وما يعاينه المواطنون يوميا، يوضح استمرار هذه التجاوزات بشكل متكرر، رغم قيام السلطات بحملات يعتبرها البعض موسمية ولا تساهم في إعمال القوانين للحد من الظاهرة، تقول سليمة”الحملات التي يقوم بها أعوان السلطة بشكل متقطع لا تجدي في شيء، وغالبا ما تشمل الباعة المتجولين دون سواهم ممن يستغلون الأرصفة، ويعملون على بث الفوضى في المرور”.



