زواج القاصرات يتحدى القانون وجمعيات حقوق الطفل

لا يمكن للقانون وحده أن يعالج ظاهرة زواج القاصرات بالمغرب إلا بشكل تقني، فقد ثبت على أرض الواقع أن نسبة زواج القاصرات لا زالت مرتفعة لارتباطها بعوامل منها الأعراف والتقاليد الموروثة والفقر والتهميش والمفاهيم الخاطئة وعدم الوعي إلى غير ذلك.
«الأخبار» ستحاول تقريبكم من بعض الأعراف والتقاليد التي تساهم في ارتفاع نسبة زواج القاصرات بالمناطق النائية والمهمشة والنتائج السلبية لذلك على المرأة والأسرة ومن ثم المجتمع ككل.
من بين الظواهر السلبية التي تطبع المجتمع المغربي ظاهرة زواج القاصرات، خاصة بالمناطق النائية والمهمشة. فما أن تصل الفتاة بالعالم القروي سن 15 أو أقل حتى تدخل العائلة في حالة طوارئ من أجل تزويجها بأسرع وقت ممكن، وكأنها تشكل عبئا ثقيلا وجب التخلص منه. تحصر العديد من العائلات بالمناطق المهمشة مستقبل الفتاة في الزواج فقط ولا شيء غيره. كل مشاريع المستقبل والحياة الخاصة بالفتيات من تعليم أو تكوين أو تعلم حرفة تتوقف وتجهض بمجرد ظهور الزوج. العنوسة شبح يطارد الفتاة كل حين والضغوط تزداد مع مرور الزمن والتقدم في السن، والعبارات القدحية التي تنتظر الفتاة القروية حتى من المحيط القريب ترعبها، من قبيل «بايرة» و«عانس»على سبيل المثال لا الحصر.
خوف الفتيات من قانون الأعراف التقليدية يجعلهن ينسين المعاناة التي يمكن أن يخلقها لهن الزواج في سن مبكرة، ففي الكثير من الأحيان يتم التسابق والتنافس على من تتزوج أصغر سنا من الإناث بالقرى، كما يتنافس الذكور ويتباهون بزوجاتهم القاصرات في مشهد غريب. مبرر الأزواج أو عائلاتهم على الأصح في ذلك، هو أن الزوجة يجب أن تربى على يد الزوج وتستكمل نموها ببيته لتكون مطيعة أكثر، من غير اكتراث بضرورة نضج الزوجة ومعرفتها لمعنى الزواج الحقيقي وتأسيس أسرة، مع ما يتطلبه ذلك من تضحية ووعي تام بالمسؤولية الملقاة على كل من الزوجة والزوج كطرفين أساسيين في بناء جيل المستقبل. الكثير من الأوهام والمفاهيم الخاطئة تعشش بالأذهان وتمجد زواج الفتاة القاصر وضرورة أن يكون سن الزوجة أقل بكثير من سن الزوج، لأن المرأة في التقليد تظهر عليها مظاهر الشيخوخة وتتراجع قدرتها الجنسية بشكل أسرع عكس الرجل، وبالتالي يمكن للزواج أن يكون فاشلا في المستقبل إذا توافق سن الزوج والزوجة.
هذا المفهوم ترسخ بشكل كبير حتى أنه أصبح قانونا عرفيا يتحمل كل من خرقه تبعات النظرات المشفقة من المحيط الاجتماعي والعائلي وكأنه أجرم في حق نفسه. الفقر والتهميش هو سبب كذلك في رفع نسبة زواج القاصرات، فغالبية الآباء الفقراء يزوجون بناتهم في الكثير من الأحيان لرجال كبار في السن طمعا في المال واستغلال زواج الابنة من أجل تحسين الوضعية المادية. ليس هذا كل شيء، فهناك عوامل أخرى مرتبطة بنظرة المجتمع التقليدية للمرأة التي يشبهها البعض باللغم الموقوت الذي يمكنه أن ينفجر في أي لحظة، فيجلب العار والخزي إلى العائلة ويدنس مكانتها داخل المجتمع.
تجارب فاشلة لزواج قاصرات
زواج القاصرات أثبت فشله غير ما مرة. الأسباب ظاهرة جلية ولكن المجتمع التقليدي لا يتحدث عنها ويفضل دائما أن يعلق مشجبه على الآخر ويمضي ليستريح. كيف لفتاة لا يتعدى عمرها 15 سنة أن تؤدي دور الزوجة ومربية الأجيال وهي لا زالت في سن تحتاج فيها إلى من يربيها ويأخذ بيدها.
فاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه أبدا. يقول سعيد متحدثا لـ«الأخبار» عن تجربته في الزواج من قاصر: «رضخت لإلحاح الوالدة علي في الزواج بقاصر بحجة أنها الأصلح للمعاشرة والطاعة، حدثتني الوالدة أنه يمكنني تربيتها كيف ما أريد بعيدا عن ما اكتسبته من تجارب من خلال الاحتكاك بالفتيات والمحيط الاجتماعي». «خوذها صغيرة تربيها على يدك أحسن». تزوجت بالفتاة القاصر بعد إجراءات قانونية من قبيل موافقة القاضي إلى غير ذلك، وسافرت رفقة زوجتي إلى المدينة حيث أعمل. تفاجأت بعد أيام من الزواج أن زوجتي لا زالت لم تنضج نهائيا في فهم أسس الزواج ولا ضرورة احترام الزوج وتقديره. كانت عصبية إلى حد كبير وتغضب لأتفه الأسباب كطفل صغير لمجرد تعليقي على إفراطها في مشاهدة الرسوم المتحركة وبعض برامج الأطفال التي تقدمها التلفزة. في كل مرة كنت أصمم على الدخول معها في حوار لتقريب وجهات النظر بيننا، كانت تواجه ذلك بالتجاهل وعدم الاهتمام وكأن الأمر لا يعنيها بتاتا. لم أحس أبدا بحضن زوجة بقدر ما كنت أحس بطفلة بريئة داخل بيتي. كثر الشجار بيننا حتى استحال استكمال مشوار الحياة فكان الطلاق هو الحل. الغريب هو أنها كانت هي من تهددني بالطلاق وليس أنا في كل مرة نختلف فيها، هي لم تكن تدري أساسا معنى الزواج وإيجابياته، ولا معنى الطلاق وتبعاته. في كل مرة أتذكر زواجي الأول أحس بوخز الضمير الذي يؤلمني. كان علي أن اختار فتاة راشدة تفهم معنى الزواج في العمق وتقدر معنى الحياة الزوجية وليس قاصرا تحتاج من يعتني بها ويربيها» يختم سعيد.
من الطرائف أيضا التي ترتبط بزواج القاصر بالقرى أن عائلة زوجت ابنيها القاصرين في سن مبكرة جدا. الزوجان كانا يلعبان ويلهوان مع الأطفال ببيت الأسرة حتى أنهما كانا ينامان من فرط التعب وسط أفراد العائلة المجتمعين فيحملونهما نحو البيت المخصص لهما وهما نائمين. فتاة أخرى فضلت عدم ذكر اسمها تحدثت إلى «الأخبار» عن تجربة زواج خاضتها وهي قاصر عمرها لا يتجاوز 14 سنة. تقول المتحدثة إنها تزوجت قريبا لها بالقرية من دون عقد زواج لأن القاضي لم يأذن لهما بذلك لصغر سن الزوجة. اختار أبي أن نكتفي بالشهود فقط باتفاق مع زوجي، وبعد أن نرزق بأبناء يمكننا تسجيل دعوى بالمحكمة والاستفادة من إبرام عقد الزواج. رزقت من زوجي بابن خلال السنة الأولى من الزواج وفي السنة الثانية انقلبت حياتنا الزوجية رأسا على عقب بسبب خلاف لوالدته مع والدتي في بعض الأمور العائلية التافهة التي لا تستحق الذكر حتى. عنفني زوجي بشكل شديد ومنعني من زيارة عائلتي بشكل نهائي، ليأتي والدي بعدها ويحررني ويذهب بي إلى منزلنا. تنكر لي زوجي نهائيا ولابني، فكان لزاما على أبي أن يدخل في ماراطون طويل من جمع للوثائق الإدارية والشهود لإثبات زواجي عن طريق المحكمة. تطلب الأمر أكثر من سنة لاستخراج عقد زواجي وبعدها تم الطلاق. إنها تجربة مرة لا أتمنى لأي فتاة أن تمر بها. نصيحتي إلى كل فتاة أن ترفض الزواج في سن مبكرة جدا، وتنتظر حتى تتمكن على الأقل من فهم معنى الزواج وتحمل المسؤولية في تأسيس بيت وما يتطلب ذلك من نضج على جميع المستويات..
جدل قانوني
أثير الكثير من النقاش مؤخرا حول قانون تحديد سن زواج القاصر، ومدى احترامه في إبرام عقود الزواج والحالات الاستثنائية التي تمنح للقاضي حق إعطاء إذن بإبرام عقد زواج القاصر. المادة 20 من مدونة الأسرة تنص على «أن لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن للفتاة أو الفتى بالزواج دون السن الأهلية وهو 18 سنة، وذلك بإصداره لمقرر يعلل فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك». انطلاقا من هذه المادة نجد أن كل قاصر أرادت الزواج وكانت دون سن 18، فلابد لها من إذن من قاضي الأسرة المكلف بالزواج. لكن الإشكال في القضية هو أن هناك من القاصرات من يرفض القاضي منحهن إذن بالزواج، فيتزوجن خارج القانون بما يسمى الفاتحة والشهود من غير أي عقد زواج يذكر، وهو ما يزيد الطين بلة ويجعل إذن القاضي مسألة استئناس فقط وليس ضرورة. ثم إن القاضي المكلف غالبا ما يبني إذنه بالزواج على تقديراته التي يستنتجها من خلال الاستماع إلى تصريحات الخطيبين وأولياء أمورهما، ومسائل أخرى تتعلق بالقدرة الجسدية للقاصر على تحمل أعباء وواجبات الزواج. لكن الملفت هنا هو أن تصريحات الخطيبين وأولياء الأمور وطرحهم لأسباب ترخيص زواج القاصر، قد لا تكون دقيقة في غياب معطيات من أرض الواقع يتم تجميعها بواسطة بحث اجتماعي لتبيان مدى مصلحة الفتاة القاصر في الزواج. هناك إشكال آخر متعلق بالشهادة الطبية وإلزامية الإدلاء بها عند طلب الإذن بزواج القاصر. هذه الشهادة لها أهمية قصوى في تبيان ما إذا كانت القاصر مؤهلة لتمنح إذنا بالزواج أم لا، لكن المشرع لم ينص على إلزاميتها عند منح الإذن بالزواج. من هنا نجد أن القانون يساعد من الناحية التقنية في انخفاض نسبة ظاهرة زواج القاصر بالمغرب، لكن لا يمكن الاعتماد عليه كوسيلة وحيدة لتحقيق نتائج ملموسة في غيب أعمال موازية من مثل الاهتمام بتوعية المجتمع بسلبيات زواج القاصر وكسر بعض المسلمات التقليدية التي تضر بحقوق الإنسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص.
آراء فاعلين جمعويين
«موضوع زواج القاصر متعلق بعقليات أكثر من تعلقه بالقانون والتشريع»، يقول فاعل جمعوي لـ»الأخبار»، مضيفا، «يمكنك أن تلاحظ الهرج السائد بالمجتمع الآن وكيف تحول الزواج بفتيات قاصرات إلى موضة. مكان الفتاة القاصر هو طاولة المدرسة لاستكمال تعليمها ومن ثم تستفيد وتفيد بعدها وتنجح في تربية الأجيال بالقدوة، وليس بيت الزوجية لتتحمل مسؤوليات أكبر منها وتحرم من عيش طفولتها. نحتاج إلى مشاريع مجتمعية للتوعية، وفاعلية الإعلام والمجتمع المدني لا زالت غير ملموسة على أرض الواقع بالشكل المطلوب لعلاج الظاهرة. زواج القاصر يتم استغلاله سياسيا بين الأقطاب المتصارعة عوض الالتفاف والعمل الموحد لتوعية المجتمع بمعنى الزواج وأهدافه ومراميه العميقة التي تختزل بشكل سلبي، للأسف، عند مجتمعنا في الحصول على جسد طري لفتاة قاصر والتباهي بذلك وكأنه إنجاز. بعض البلدان فتحت مؤسسات لتعليم الشباب المقبلين على الزواج معاني الحياة الزوجية وكيف يتعاون الأزواج من أجل هدف مشترك سام يتمثل في بناء جيل متماسك وقوي يقدر معنى الإنسانية، ونحن لا زلنا نزوج قاصرات في سن الطفولة لأسباب واهية وموروث تقليدي سلبي وننتظر بعد ذلك جيل الإصلاح. فاعلة جمعوية أخرى قالت إن ظاهرة زواج القاصرات لا زالت في ارتفاع، فالعديد من الآباء والأولياء بالقرى النائية يعتقدون أن الزواج هو المشروع الوحيد لتأمين المستقبل وهي فكرة خاطئة تماما. إذ أن الزواج الناجح الذي يتحمل فيه كل من الزوج والزوجة مسؤوليتهما هو الذي يضمن الاستقرار والاستمرار، وليس الزواج المبني على أفكار مغلوطة وأهداف مشوشة. فلا يعقل مثلا أن نزوج القاصر فقط خوفا من فضيحة لا توجد إلا في مخيلتنا، أو نستغل تزويجها من أجل كسب مادي في محاولة لعيش أفضل. هذا انتهاك لحقوق المرأة والطفولة على حد سواء. على كل مكونات المجتمع أن تتحمل مسؤوليتها في معالجة كل المشاكل التي تتسبب في الرفع من نسبة زواج القاصر. الفقر والتهميش والجهل والأعراف والتقاليد السلبية هي الأولويات التي يجب العمل عليها قبل القوانين والتشريعات».