طاهيري.. أهذا فن يتفنن أم فن يتعفن؟

أطلعتنا الليلة الأولى من ليالي موازين على مشاهد شبه ساخنة من العراء،عرضت من خلالها المغنية الراقصة لوبيز ومجموعتها بشكل هيستيري حركات تشي بالتعابير الجنسية،وذلك عبر توظيف أجسادها الطرية النضرة،التي كشفت فيها عن المستور،وتحدت بها قيم البلد المضيف،وقد اشرأب لها ولفتنتها الكثير من الأعناق،وترنح لأثر حركاتها الكثير منا لأجساد،وتحلب لنضارة أردافها الوردية وتفاصيلها الكثير من الريق،وصاح من صاح مع صياح الراقصة والراقصات رغم كونه يسمع ولا يعي ما يسمع،فتنوع العرض،وساد الصخب،وغشيت الراقصة ومجموعتها كل جنبات المنصة الهيلتونية في غابتها العارية، وهي تتنقل عبرها في حركات ذات وتيرة من الإيقاع الذي يستجيب بفضله الجسد لوقع الآلات والصياحات، وبدت جموع المتفرجين بين مشلول عن الحركة ومهووس بها، وكاميراتُ التصوير والتوثيق والمراقبة تتبع كل شاذة وفاذة من ذلك، كشاهد للعرض وشاهد عليه.
فإذا قيل عن تلك الليلة ما قيل من القيل والقال، وكتب عنها الكاتبون ما يغني عن ألف مقال ،فإن الكاميرات وآلات التصوير التي تجول بين المتفرجين بين الفينة والأخرى وكأنها تتفرس في وجوههم، قد نقلت رسالة إلى العامة والخاصة من ذوي الأريحية والغيرة على نبل الفن ،وعفة القيم، هي رسالة تملؤها نسبة مائوية غير يسيرة من الامتعاض وعدم الرضى، تتمثل في ملامح الصغار منهم قبل الكبار، وقد ارتسمت على وجوههم علامات الاستغراب وآيات الصدمة بعد إذ أخذتهم المشاهد على حين غرة مما يتوقعون، أفواههم فاغرة وأعينهم تشي منها النظرات عن تحرج غير مخفي،تنطق ببراءة هي في صمتها بليغة التعبير،تأبى العرض وما حوى من فتنة حجمها أكبر من فضولهم ورغبتهم، واجمون واقفون كافّون عن أية حركة، بعضهم وهم على هذه الصورة من الذهول والشرود، يضعون أصابعهم في أفواههم، فإن دل ذلك منهم على شيء فإنما يدل على عدم رغبتهم في استساغة المشاهد، وكذلك تبدو ملامح نسبة غير قليلة من الكبار على اختلاف مشاربهم وأذواقهم، ترتسم عليها آيات التقزز والنفور، وقد هاجمهم سيل التفسخ والانحلال الذي تتنفس في أجوائه عروض المجموعة، هذه التي بلغت بطلتها ذروتها في الشذوذ الفني وهي تتفنن في عرض جسدها وقوفا تارة، وعلى جنب تارة، ورأسا على عقب تارة أخرى،وبين الفينة الأخرى تبصبص بوركيها أو تضعهما إلى الأرض لتعلي من كعبيها،ثم في أحايين يلتحق بها أحد أفراد مجموعتها فيأتيها من ورائها كما يأتي ذكر النعم النهم أنثاه،وهذه الأخيرة تقف مبدية استجابتها للطلب من غير منعة ولا غنج أو دلال، بينما البقية من الذين جرفهم تيار الفتنة ووقع الحركة قد مالوا مع ريح العرض ميلا كبيرا.
لقد قرأنا عن الفن وما نزال أنه من أسس ومظاهر بناء الأمم، لكن ما نوع هذه الأمم؟ أهذه التي تكشف عن عورة القيم وتثلب العِرض، تحت مظلة الفن ودعواه، أم هي الأمم التي تذهب إذا هي أخلاقها ذهبت؟ إن الفن عفيف عفة الجمال، إنما البدع البشرية هي التي تشوهه وتحرف سكته ورسالته، فرب جوف ممتلئ قيحا خير من جوف ممتلئ بمثل هذا الفن الإباحي.
تيزنيت 37 بريس Tiznit 37 Press