ربورطاجات

حكايات غريبة لمغاربة هجروا الصلاة: بعضهم سرقت أحذيتهم بالمسجد وآخرون تعرضوا للكريساج وهم راكعون ومومسات فضلن “البار” على بيت الله

 

   ثمة محطات كثيرة التفت فيها انتباهنا إلى مشهد اكتظاظ المساجد بالمصلين عبر ربوع المملكة، مما يفسح مساحة شاسعة لتناسل الأسئلة حول هذه الظاهرة التي تثير الفضول، بل قد يزيد حجم الفضول لما نرى شابا أو رجلا أو فقيها عرف في وسطه بالمواظب على الصلاة، لنجده بعد ذلك قد أعلن الطلاق الثلاث مع المسجد أو انقلب من متدين إلى سكير تعبث الخمرة برأسه، كما أن الفضول قد يبلغ أقصاه أو أن يتحول إلى فسحة للسخرية لما نجد أن سبب الطلاق مع الصلاة يعود إلى قصص طريفة أقسم خلالها المصلي على هجر صلاته إلى الأبد.

   في هذا الإطار حاولنا انطلاقا من مجالسة بعض الذين تركوا الصلاة، لنغوص في دواخلهم قصد معرفة الأسباب الرئيسية وراء الهجرة، لنفاجأ بمواقف ساخرة حالت دون إتمامهم لمشوار تعتبر فيه الصلاة أحد أهم أركان الإسلام الخمسة.

سرقوا بلغته بالمسجد فهجر الصلاة

غالبا ما نستشيط غضبا ونحن في فناء المسجد حينما تتلقف أسماعنا أخبار عن سرقة بالمسجد أو رجل تعرض للنصب والاحتيال داخل بيت الله، كما قد تنفلت من أفواهنا قهقهات خفيفة حينما يتعرض مصلي ما لموقف ساخر وسط حرمة المسجد، وفي هذا الصدد التقينا بمحمد (45 سنة، موظف) معروف وسط حيه بقصته الطريفة التي جعلته يقاطع صلاته دون أن يتخلله الخجل أو أن يشعر بالضيق من ذلك، ابتدأت قصة محمد في إحدى أيام عاشوراء، كان قد عاد للتو من محل لبيع الملابس، اقتنى لزوجته قميصا ولابنه الأصغر سروال “جينز” بينما اختار لنفسه بلغة صفراء من محل آخر لبيع الملابس التقليدية، وبعد أن لبس جلبابه وبلغته توجه للمسجد لأداء صلاة العشاء، يقول محمد (ضاحكا) ” لما خرجت من المسجد (لقيت غير البرد) كانت الأحذية و”الصنادل” البلاستيكية مبعثرة أمام باب المسجد، لكن لا ثر لبلغتي الصفراء، عندها تملكني الغضب وصرخت في وجه المصلين والمارة وكذا بائعي الملابس والخضر أمام المسجد (واش حنا في الجامع ولا في السوق.. والو البلغة ديالي بغيتها تحضر دابا..”، يضيف محمد (الله يغفر لينا). كانت تلك الحادثة سبب طلاقي للصلاة، ولا أعلم هل سأعود إلى المسجد يوما ما؟ مضيفا “فأنا لا أريد أن أكون أمام الله وبالي مشغول بحذائي، وحتى لو وضعته أمامي فإن تلك الحادثة ستظل نصب عَيْنَيّ وبالتالي سيضيع الخشوع الذي هو عماد الصلاة”.

اصبح منحرفا يدمن الحشيش و االبربوقة بعدما كان جليسا للعلماء

بإحدى زوايا زقاق ضيق بدوار التقلية بالعاصمة الاقتصادية للمغرب، بدا كالشبح وهو يركن في ثغر صفيحي، محاولة منه للاختباء، أضواء الدوار المعطلة ساهمت هي أيضا في تواريه عن الأنظار، كان مشغولا بصنع لفافة حشيش، بينما عيناه وسط تلك الظلمة التي خيمت على المكان، كانتا متيقظتين ترقبان المارة الذين لن يتمكنوا من مشاهدته، أعرفه جيدا، بل جالسته أيضا بهذه الزاوية المهملة في “راس الدرب”، اسمه (نور الدين 38 سنة )، عرف في وسط حيه بالشاب المتدين أو كما يحلو لأبناء حيه بـ (الملتزم) خصوصا أنه لم يكن يدع الفرصة تفوته دون تقديم موعظة لسكير أو نصيحة لشاب يسب (الرب) أمام الملأ.

كل من يعرفه يكن له احتراما خاصا، بل كان جيرانه يتوجهون له لحل بعض الأمور المبهمة في شؤون الدين، لكن نور الدين الذي قضى 15 سنة بالمساجد لاهثا وراء العلماء، ينهل من جلساتهم دروس السيرة النبوية وفقه السنة وقواعد التجويد، هجر فجأة الصلاة وأصبح من أكبر مدمني الحشيش و”البربوقة”، فكيف انقلب هذا الشاب من ملتزم يحرص على أداء الصلاة في أوقاتها إلى آخر يختلف كليا عن نور الدين اللاهث وراء العلماء؟

يقول نور الدين “لقد دأبت على أداء واجباتي الدينية بحرص دقيق قرابة 15 سنة، لم أكن أدع الفرصة تفوتني لأداء صلاة الجماعة، بل طيلة هذه المدة وأنا أواظب على صلاة الفجر، لكن ستدور دورة الزمن لأجدني مضطرا لهجرة الصلاة، لكن ليس إلى الأبد، فلا زالت هناك نوازع تجذبني إلى معانقة الأجواء الروحانية بالمساجد، سبب هجري للصلاة، ابتدأ سنة 2002 عندما وجدتني وجها لوجه أمام امرأة بمنطقة بني مسكين، لقد تفننت في إغرائي، واجتهدت في الإطاحة بي، حتى وجدت نفسي فيما يشبه الصعقة الكهربائية أنتشي لذة زائلة، فأدركت حينها أن صلاتي لم تنهاني عن الفحشاء والمنكر، فقررت هجرها، إلا أني كما قلت سابقا فالعودة إلى رحاب المساجد قريبة، “إن شاء الله”؛ أحد أصدقاء نور الدين نفى كليا ما جاء على لسانه، فهو يرى أن الدافع الرئيسي الذي جعل صديقه يقاطع الصلاة، ابتدأ سنة 2003، حينما رأى أن الاعتقالات التي تلت أحداث 16 ماي توسعت ببعض الأحياء الصفيحية بالدار البيضاء ككريان طوما ودوار السكويلة، حينها قصّ لحيته وترك المسجد والصلاة، حتى أنه قال لي “آش بغيت بتهراس الراس”، ولم يمر على هجره المسجد إلا أسبوعين حتى عاد إلى عادة التدخين”.

بدوار السكويلة الذي التهمته مختلف وسائل الإعلام في إطار الأحداث الإرهابية بالبيضاء سنتي 2003 و 2007، تداول بعض الشباب المثقل باليأس والمخنوق برتابة الزمان والمكان الذين رحل أغلبهم إلى حيث السكن الاقتصادي، أن شابين من أبناء الدوار كانا أكثر المواظبين على الصلاة بمسجد الحي، قادتهم ظروف العمل إلى مدينة الداخلة، كانا ملتحيين، وقد صادفت رحلتهم إلى الأراضي الصحراوية حدث تفجير نادي الانترنيت بالدار البيضاء، لتتعرض حافلتهم للتفتيش في إحدى نقط الطريق المؤدية إلى مدينة الداخلة، ولما وجدوا أن بطاقتهم تحمل عنوان “دوار السكويلة” حولوهم إلى غرف التحقيق، وبعد أن تم إطلاق سراحهم حلقوا هم الآخرون لحيهم وهجروا الصلاة، أليس الأمر طرفة، يقول أحد شباب دوار السكويلة.

كثيرة هي الأحداث التي دفعت بالمصلين إلى ترك الصلاة، لكن هل أسباب مثل هاته تجعل المرء يقطع حبل الاتصال مع الخالق؟ يوسف الذي درس الشريعة يرى أن لمثل هذه الأحداث دافعا لهجر الصلاة، لكنها لا تمثل إلا نسبة قليلة من دوافع أخرى، تعود في الأصل إلى ضعف الاعتقاد بالله تعالى وخلل في القصد وعلة في المنهاج، لذا فإذا اجتمعت هذه الشوائب في الإنسان يسهل عليه أن يقطع حبل الاعتصام والعروة الوثقى، يقول يوسف:” هناك أحداث ومصائب ونكبات تنهال على المسلم دفعة واحدة، وهي في الأصل ليست إلا لاختباره وابتلائه، وجعله يرجع لذاته قصد المحاسبة، والقول هل أنا على صواب أم أنني في طريق الخطأ، فإن كان إيمانه قويا مبنيا على أسس متينة، زاد تمسكه بحبل الله والخشوع في صلواته، وإذا كان إيمانه هشا، ترك الصلاة أهون عنده من قتله حشرة”.

العدل والاحسان تتسبب في مقاطعة الصلاة للمستقطبين إلى رحابها

لم أكن أدري أن الاثنين معا، سينقلبان رأسا على عقب؛ محمد وحسن، شابان تميزا منذ صغرهما بحبهما للرياضة والمسرح، ما عرفته عنهما هو أنهما كان ملازمين لبعضهما البعض، يتوجهان إلى المسجد عند كل صلاة مغرب وعشاء، ويرجع الفضل في ذلك إلى أحد شباب الحي الذين ينتمون إلى جماعة العدل والإحسان، حيث قام باستقطابهما، عاشا في كنف الجماعة بمنطقة مولاي رشيد حوالي أربع سنوات، كان مثالين لشباب الحي في الأخلاق والخصال الحميدة، ابتدأ مشوارهما في درب الصلاة مع بداية سنة 1993 لينتهي سنة 1997، وحسب حسن فإن السبب في مقاطعتهما للصلاة هو أنهما كان قد اتخذا عضوا في الجماعة مثالا لهما، يسيران على نهجه، ويعودان إليه في كل أمر مبهم قد يستعصي عليهما إدراكه، يقول حسن ” في صيف 1993 تم اختيارنا ضمن شباب العدل والإحسان للتمتع بالعطلة الصيفية بمخيم الولجة، قضينا هناك حوالي 15 يوما، تعلمنا هناك كيف يعتمد المرء على نفسه، وكيف يقوي المرء إيمانه بالله تعالى، حتى أن الأجواء آنذاك كانت تساعد على المواظبة والانضباط وأداء الصلاة في وقتها، كنا نقوم الليل، ونصلي النوافل، قدوتنا في ذلك المسمى (ع . أ) لكن قبل يومين من مغادرتنا مخيم الولجة، اختفت ساعة الكترونية رفيعة لمحمد، بعضهم قال بأنه من الممكن أن يتركها محمد في الشاطئ. والبعض الآخر أرجع الأمر إلى إمكانية سقوطها من حقيبته، وهو في طريقه للمخيم، بينما (ع . أ) فقد توجه لمحمد وقال له إن الله ابتلاه في ساعته وما عليه إلا الصبر والرضوخ إلى الأمر الواقع، وبالرغم من كون محمد تأثر بفقدانه لساعته الرائعة، إلا أنه سلم بالأمر وتناساها مركزا على قضاء ما تبقى من وقته في هذا المخيم، ولما عدنا إلى مدينة الدار البيضاء، ومر على رحلتنا أسبوعان شاهدت رفقة محمد، قدوتنا (ع . أ) في مسجد ببورنازيل، كان يتوضأ والساعة الالكترونية الضائعة مبسوطة إلى جانبه، أصبنا بالذهول، وتساءلنا، أيمكن أن يكون مرشدنا (ع . أ) سارقا أو أنه وجدها مؤخرا وبالتالي فإنه سيعيدها إلى محمد، بعد يومين توجهنا إلى منزله وسألناه، هل وجد الساعة؟ ليجيبنا ببرودة عن أية ساعة تتحدثون ناكرا أنه يتوفر عليها، في تلك الأثناء خاطبه محمد قائلا “خلينا ليك الرباح والخطية، وحتى الصلاة للي جامعانا معاك ربح بيها”، لقد تأثرت أنا الآخر، بل صدمت كثيرا خصوصا أن (ع . أ) لم يكن قدوة فقط، وإنما أبا نتوجه إليه في كل أمر كبير كان أم صغير يقول حسن.

تعرض للكريساج وهو في ركعته الثانية من صلاة الفجر فترك الجمل بما حمل

الحاج ابراهيم رجل مسن أفلحت التجاعيد في اكتساح وجهه ذي البشرة السمراء، سمرته تلك تعود إلى ألسنة الشمس الحارقة وهي تلفح وجهه في الأسواق الأسبوعية، كان الحاج رجلا ورعا، يتساهل في كل الأمور إلا في أمر واحد، هو أن تثنيه تجارته عن أداء فريضة (الصلاة) أحيانا يؤم المصلين في إحدى الفضاءات الشاغرة بالسوق وأحيانا كثيرا يبدو خاشعا وهو في تركيز تام باتجاه القبلة.

قصته مع الصلاة مشهورة في سوق سبت تيط مليل، بل تتداولها الألسنة حتى أصبحت شبه نكتة أو وجبة دسمة يلتهمها تجار السوق، ابتدأت قصة الحاج ابراهيم سنة 1997 حينما كان متجها نحو السوق لبيع ثورين أسودين، على متن شاحنة اكتراها من أحد أبناء دواره، وكعادته باعتباره تاجرا في بيع الأبقار سيشتري بعد كل بيع عجلا أو بقرة أو خروفا للمتاجرة به في وقت لاحق، وغالبا ما كانت صلاة الفجر تدركه لاسيما أن سوق الأبقار والأغنام يفتتح بتيط مليل حوالي الساعة الثالثة صباحا، توجه الحاج بعد سماع أذان الفجر نحو الشاحنة التي تقل ثوريه، ونزع جلبابه ليجعل منه سجادة للصلاة، كان الفضاء الشاغر خاليا من المارة، يقول ابن الحاج ابراهيم: ” بعد أن نزع والدي جلبابه الأسود، وشرع في أداء صلاة الفجر كانت حقيبته الجلدية تتدلى مع كل عملية ركوع أو سجود، ولما وصل الركعة الثانية حفه من الجانبين لصان قويان، كان منظرهما من بعيد يحيل إلى أن الثلاثة منغمسون في صلاة الجماعة، والدي أيضا اعتقد ذلك، لكن أحدهما وجه له طعنة سكين في فخذه ثم ألجم فمه، ليقطع الآخر الحزام الجلدي الذي يحمل الحقيبة، أراد والدي الصراخ، لكن أحدهما هوى عليه بقبضة السكين على رأسه، ليدخل في غيبوبة، بعدها أقسم والدي أن لا يعود للصلاة، فالمسكين اعتبرها سببا في ضياع ثلاثة ملايين سنتيم، كانت بالحقيبة، وبالرغم من إصرارنا على حثه بالعودة لأداء الصلاة، إلا أنه على ما يبدو قرر نهائيا تركها، ومنذ سنة 1997 إلى يومنا هذا لم يصل إلا في مناسبة واحدة، وهي لما وجد نفسه مجبرا على أداء صلاة الجنازة عندما توفي ابنه محمد”.

وبشارع محمد الخامس بالدار البيضاء، التقينا “جيهان” فتاة جميلة، متحررة، ترتدي سروال جينز ضيق، وسترة وردية مفتوحة من جهة الصدر، لما سألناها هل سبق لها أن أدت فريضة الصلاة؟ أجابتنا بتلقائية وجرأة قل نظيرها قائلة ” شحال بيني وبين الصلاة؟ أطول مدة داومت فيها على هذه الفريضة شهرين كاملين، ثم بعد ذلك (محطيتش جبهتي الأرض)”، وعن سبب تركها للصلاة، أضافت “جيهان” “لنكن واقعيين وصرحاء مع أنفسنا، سني الآن 22 سنة، فلا يمكنني أن أجمع بين الصلاة و (الزنقة)، جل أوقاتي أقضيها في حانات المدينة، فأظن أن المعنى اتضح جليا، أي لا يمكن الجمع بين الاثنتين (الصلاة والزنقة)، وهذا لا ينفي أنني بعيدة عن الدين، فأنا أقرأ القرآن وأذكر الله (الله يعفو علينا)”، كان لكلمات جيهان الصريحة وقع في داخلي، خصوصا أن أمثالها كثيرون، فأغلب الذين سألناهم عن سبب هجرهم الصلاة، أجابونا بأنهم وجدوا أنفسهم بين أمرين متناقضين، إما طريق الله أو طريق الفساد، الفساد عند هؤلاء يشمل مناحي كثيرة (كذب، شرب الخمر، زنى، سرقة وغيرها…).

عصام شاب في الثلاثين من عمره، سبب هجره الصلاة هو أنه حسب تعبيره يستحلم كثيرا، أكثر من خمس مرات في الأسبوع، وهو مضطر للاغتسال يوميا، حتى يتأتى له أداء صلاته، ” أصبحت أخجل من نفسي، كل صباح أتوجه للمرحاض للاغتسال حتى أن والدي أصبحت تضايقه هذه العادة، وربما تلعب به الظنون للتفكير في أمر آخر، وبسبب ذلك قررت ترك الصلاة إلى حين أشفى من هذه (المصيبة)، أعتقد أن الاستحلام بالنسبة لي مرض، وربما لي عذر في مقاطعة الصلاة” يقول عصام.

من خلال هذه الآراء وآراء أخرى يتبين أن لكل تارك الصلاة أعذاره التي جعل منها أسبابا موضوعية لترك فريضته، وفي دواخلهم يشعرون بالحنين للانتعاش بأجواء المساجد، لكن هل كل الأسباب التي يتذرع بها هؤلاء كافية لأن يقطع المرء عهده بالصلاة؟ خصوصا أن أحدهم أقسم ألا يتوجه للقبلة ما دامت صلاته لم تنهه عن الفحشاء والمنكر”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: