طقوس اعداد الشاي الصحراوي …الجيمات الثلاث المؤسسة للشاي الصحراوي

“جلسة شاي بجيماتها الثلاثة.. كانت هي الهيئة التي اجتمع عليها مؤسس جبهة البوليساريو، مصطفى ولي السيد، مع رفاقه بإقليم طانطان، ليخرجوا بقرار تأسيس جبهة “البوليساريو” ضد اسبانيا..” بهذه العبارات يروي لنا “السيدي الراحل”، دور “طبلة أتاي” أو مائدة الشاي، في بلورة أفكار ومؤسسات غيرت مجرى التاريخ في الصحراء.
وبعيدا عن هذا، فقد كان الشاي الصحراوي، شرطا من شروط الهوية عند أهل الصحراء، بل رمزا من رموز الصحراويين، سواء في البدو أو المدن.
وعلى الرغم من اشتراك الروافد الثقافية بالمغرب عبر مشروب “الشاي”، غير أن الشاي الصحراوي يظل بخصوصيات مستقلة سواء من حيث شكل وطقوس إعداده، أو من حيث مضمون محتواه وذوقه.
“الجيمات” الثلاثة
يقول سيدي الراحل، أن من شروط طهي الشاي الصحراوي عند أهل الصحراء، هو توفر ثلاثة أركان مهمة، وبدونها، لا يصلح أن يكون الشاي “صحراويا”.
وهي التي لخصها في ثلاثة “جيمات” أي ثلاثة حروف “جيم”، الأول يعني “الجمر” أي من الشروط التقنية لإعداء وطهي الشاي الصحراوي بطريقة جيدة، هو توفر “مجمر الفاخر” أي الحطب المعدل. والجيم الثاني، يعني به “الجماعة”، إذ لا يصح أن يكون الشاي بدون جماعة، حتى تتم مناقشة القضايا والشؤون الإجتماعية، الاقتصادية، الثقافية، والسياسية، والثالت، يقصد به “الجر” أي جر وتمديد مدة النقاش، حتى يتسنى للمجموعة أن تناقش مجموعة من القضايا.
أهمية الشاي عند أهل الصحراء
يعد للشاي الصحراوي بالأقاليم الصحراوية، طقوس خاصة وأوقات معينة يتم إعداده فيها، ورغم أن الشاي ليس غاية في حد ذاته، إلا انه يستحيل عند الصحراويين أن يعقد مجلس أو يحيى سمر دون إعداد الشاي، أي “بدون طبلة أتاي” .
يقول أمريزيك السالك، وهو باحت في شؤون الثقافة الحسانية، لـ”الأيام24″، أن الصحراويين حافظوا على أدبيات وطقوس إعداد الشاي القديمة، إذ من الأولويات التي يجب أن تقدمها للضيف، هي أن “يحرص الرجل الصحراوي منذ القدم، بأن لا يخلو بيته من هذه المادة بالغة الأهمية والتي يسعى إلى جلبها من البلاد البعيدة، وقد كان يضطر أحيانا إلى شراء الشاي بمبالغ باهظة جدا، وقد حدثت مقايضة كيلو غرام واحد من الشاي ، أو قالب واحد من السكر ، بناقة أو جمل أو برؤوس عدة من الغنم”. يقول السالك.
“المياه الجوفية” .. شرط الإعداد
“المياه الجوفية” هي إحدى الشروط المهمة لإعداد الشاي الصحراوي، إذ لا يستقيم إعداد الشاي بالصحراء عن طريق مياه الصنبور المستهلكة، بل مياه “الآبار” الجوفية، هي الكفيلة لإنتعاش الشاي بنكهة الصحراء.
منطقة “تاعسالت” هي منطقة مليئة بآبار المياه الجوفية، تقع بالقرب من شرق مدينة “طانطان”، وتحج للمنطقة يوميا عشرات الشاحنات، كتب على سطح صهاريجها “ماء طانطان” لنقله، صوب باقي حواضر الصحراء جنوبا، العيون، بوجدور، والداخلة.
عبد الكبير، بائع “ماء طانطان” بالداخلة، يكشف لـ”الأيام24″ عن “حجم الإقبال والطلب على شراء ماء الطنطان، من أجل إعداد الشاي، :”يوجد إقبال وطلب متزايد يفوق نسبة ما نعرض، على الرغم من غلاء سعره، فسعر برميل من حجم 600 لتر، يصل إلى 220 درهم”.
فوائد الشاي الصحراوي
يسمى معدّ الشاي الصحراوي بـ” القيام” ويتم اختياره من بين أفراد الجماعة وفق مواصفات معينة من بينها، بلاغة الحديث وإتقان الشعر، ودماثة الخلق، وحسن الصورة (الوسامة) وأن يكون من أصل طيب، ويعتبر إسناد مهمة إعداد الشاي إلى أحد أفراد الجماعة من باب التشريف وليس التكليف .
تتحدث بلهجة حسانية خالصة لـ”الأيام24″ سعادو، وهي ربة بيت صحراوي بالعيون، تبلغ من العمر عتيا، عن “فوائد الشاي الصحية المساعدة على عملية الهضم لذا حرص الصحراويون على تناول الشاي بعد وجبات اللحم الدسمة، إذ يعتبر الشاي في الصحراء مشروبا تقليديا فحسب، بل سمة من سمات الكرم الصحراوي، وعلامة من علامات الحفاوة وحسن الاستقبال، حيث أن الصحراويين ينادون ضيوفهم لتناول الشاي أكثر من الأكل” حسب سعادو.
ويطلق الصحراويين على” القيام” المعروف بجودة إعداد كؤوس الشاي ” فلان تياي” أي متقن لإعداد الشاي، على وزن فعال، ومن الطقوس لدى الصحراويين أثناء جلسة الشاي الرمي بالأكواب (الفارغة) في اتجاه “القيام” إقرارا منهم بجودة كؤوس الشاي، خاصة إذا كان المجلس يتكون من الشباب .